جامع الزيتونة

  • جامع الزيتونة ,تونس

جامع الزيتونة أو جامع الزيتونة المعمور أو الجامع الأعظم هو المسجد الجامع الرئيسي في مدينة تونس العتيقة في تونس العاصمة في تونس، وأكبرها وأقدمها ويرجع للسنة على المذهب المالكي، حيث تأسس في 698م (79هـ) بأمر من حسان بن النعمان وأتمه عبيدالله بن الحبحاب في 732م، ويعتبر ثاني أقدم مسجد في تونس بعد جامع عقبة بن نافع.

ويقع الجامع على مساحة 5000 متر مربع، ولديه 9 أبواب، وقاعته الداخلية تتكون من 184 عمودًا، آتية أساسًا من الموقع الأثري بقرطاج.

سبب التسمية:

بخصوص تسمية هذا الجامع بجامع الزيتونة، فالروايات قد اختلفت، فمنها ما ذهب إلى أنّ الجامع بني في موضع كان مشجرا بالزياتين، قطعت كلّها ولم تبق إلاّ زيتونة واحدة في وسط ساحة الجامع فسمي بها. ومنها أنّ المسلمين عند فتحهم قرطاج وجدوا زيتونة منفردة في موضع المسجد فقالوا هذه تونس، وسمّي المسجد بجامع الزيتونة. وتزعم رواية مسيحيّة أنّ الجامع شيّد بالقرب من كنيسة قديمة كانت تضمّ رفاة القديسة أوليف أي زيتونة.

ومنذ إنشائه، شهد الجامع عمليات ترميم وتبديل عبر مختلف السلالات الحاكمة التي مرت على تونس، فيما تم النداء للصلاة والأذان من أعلى المنارة لأول مرة في 26 رمضان 1312هـ، بحضور علي باي الثالث.

أوّل محاولة في تطوير هذا الجامع من الناحية المعماريّة والهندسيّة كانت لأمراء الدولة الأغلبيّة في القرن الثالث للهجرة (9م) فقد ضخّموا بناية الجامع ووسّعوا مساحته مع تحسين هندسته وإدخال بعض الزخارف عليه إلى درجة بدا على هيئة جديدة كأّنها إعادة بناء. وقد قال العلامة حسن حسني عبد الوهاب في "ورقاته": "...والواقع أنّ هذا التجديد الكليّ هو من عمل الأمير الأغلبي أبي إبراهيم أحمد (242هـ - 249هـ/856م - 864م) وهو ذلك البنّاء الكبير الذي اشتهر باجتهاده في عمارة البلاد وبولوعه لانشاء المعالم العمرانيّة الجليلة منها جوامع سوسة وصفاقس وزيادته المعتبرة في مسجد عقبة بالقيروان... وكان قبل وفاته بقليل أقبل على جامع الزيتونة ووجّه إليه عناية خاصة".وتعدّدت عمليات إصلاح جامع الزيتونة في العهد الفاطمي (296هـ 362هـ/909م - 973م) على أيدي أمراء الدولة الصنهاجية. وهو ما تجسّد في إنشاء القبّة البديعة فوق البهو والرواق الموجود أمام واجهة الصلاة. أمّا أكبر الاصلاحات والتحسينات العمرانيّة فقد أدخلت على هذا الجامع في أثناء العهد الحفصي إذ يذكر محمد بن الخوجة في كتابه معالم التوحيد "أنّ سلاطين بني حفص شملوا في مدتهم جامع الزيتونة بعنايتهم، فالسلطان المستنصر بالله جلب إلى قصره بأريانة حيث بستانه المعروف برياض أبي فهر ماء زغوان في سنة 648هـ/1250 وأجرى منه قناة لساقية جامع الزيتونة". وقال صاحب كتاب "مسامرات الظريف": إنّ السلطان يحيى بن المستنصر المذكور كسا الجامع وحسنه في سنة 676هـ/1277م. ثمّ في عام 716هـ/1316م أمر السلطان زكرياء بعمل عوارض وأبواب من خشب لبيت الصلاة. أمّا السلطان أبو عبد الله محمد الحفصي فقد أنشأ فيه المقصورة التي بصحن الجنائز وبنى السبيل التي تحتها على رأس المائة العاشرة.

وفي العهد الحفصي أنشئت بجامع الزيتونة ثلاث قاعات للمحافظة على الكتب، الأولى هي مكتبة أبي فارس عبد العزيز التي بنيت بمجنبة الهلال جوفيّ جامع الزيتونة تحت الصومعة حسب ما ذكره الزركشي في تاريخ الدولتين وكان ذلك سنة 822هـ/1419م. والثانية هي مكتبة أبي عمرو عثمان في مكان المقصورة الجنوبيّة الشرقيّة المعروفة باسم سيدي محرز، وقد هيّئت سنة 854هـ/1450م كما يدلّ على ذلك ما ورد في النقيشة الموجودة فوق الباب: "أمر به الخليفة الامام أبو عمرو عثمان أيّده الله ونصره في عام أربع وخمسين وثمانمائة في رجب". ويقدم لنا محمد العزيز بن عاشور في هذا الشأن بعض التدقيقات: "يحتوي هذا الباب على عناصر هندسيّة وزخرفيّة ازدهرت في ذلك العهد كالقوس المبنية بالرخام الأبيض والأسود المرصف بالتناوب على غرار ما يوجد بجامع القصبة وغيره من المعالم الحفصيّة وكذلك الخشب المنقوش". وتحتوي هذه المكتبة على واجهة جميلة تشرف على سوق الفكّة. أمّا المكتبة الثالثة فهي المكتبة العبدلية، وهي من إنجاز أبي عبد الله محمد (899 - 932هـ/1493 - 1525م)، وقد أوقف الحفصيون على هذه المكتبات أوقافا قامت بضروراتها.

ورغم أنّ الفتح العثماني اتّجه إلى إدخال المذهب الحنفي إلى البلاد التونسيّة فإن العناية بالجوامع المالكية وفي طليعتها جامع الزيتونة ما انفكت تتواصل،لا سيما بعد الانتهاكات التي ألحقتها به جيوش الاسبان والتي نالت من حرمته وهيبته.

وفي العهد المرادي (1041 - 1114هـ/1630 - 1702م) يذكر محمد بن الخوجة أنّ الأمير محمد باي المرادي زاد في ارتفاع صومعته ووضع بصحنه الرخامة (مزولة) لتحرير دخول وقت الصلاة وكتب عليها اسمه. وفي سنة (1037 هـ/1627م) بنى إمام الجامع الشيخ محمد تاج العارفين البكري المجنبة الشرقية وكتب اسمه في سقفها. وذكر محمد العزيز بن عاشور أنّ من أهمّ الانجازات البكرية تجديد الرواق الشرقي وتحسينه وتسقيفه وهو المعروف بصحن الجنائز بأمر من الإمام تاج العارفين البكري في أواخر دولة يوسف داي. وتمّت الأشغال سنة 1047هـ/1637م، كما ورد في النقيشة الرخامية التي وضعت داخل الصحن. وكانت عناية الإمام تاج العارفين البكري كبيرة بجامع الزيتونة فأمر بتزويق بيت الصلاة وكساء حائط المحراب بالجبس المنقوش بأشكال بديعة. وفي عهد آل البكري جُدّدت بعض سقوف الجامع. ويروى أنّ القطب الصوفي الولي الصالح سيدي أبا الغيث القشاش جدّد سقف بيت الصلاة. وقد تواصلت عادة إسهام الأيمة وغيرهم من أعيان سدنة الجامع في عمرانه زمن العهد الحسيني سواء من ريع الأحباس المخصصة لذلك أو من مالهم الخاص. وضمن الاهتمام الكبير الذي أولاه البايات والأمراء الحسينيون بشؤون الدين ومعالمه الكبرى حظي جامع الزيتونة باهتمام بالغ ظلت مآثره قائمة إلى الان. وأبرز ما أدخل على هذا الجامع من إصلاحات وتحسينات في العهد الحسيني استبدال الصومعة القديمة الحفصية ثم المرادية بصومعة مزخرفة وبديعة تمّ بناؤها باشراف جمعيّة الأوقاف في أواخر القرن التاسع عشر (1312هـ/1894م)، وقد اقتبس شكل هذه الصومعة الجديدة من النمط المغربي الأندلسي.

وشهد جامع الزيتونة عناية فائقة في ظلّ حكومة الاستقلال فقد أنيطت بالمعهد الوطني للتراث مهمة الاشراف العلمي على عمليات التّرميم والتحسين. ومن الترميمات التي أنجزت في هذه الفترة تعويض أعمدة تيجان متداعية وتجديد بعض السقوف وإبراز الزخرفة الأصلية داخل القبتين وإبراز الرواق الشرقي ومقصورة أبي عمرو عثمان وتهديم قاعدة المكتبة العبدلية التي جددت في عهد الصادق باي، وذلك قصد إرجاع الجناح الأيمن من الرواق على وضعه الأصلي. أمّا في خصوص نشاط جامع الزيتونة، ومهامه العلمية والدينيّة والثقافيّة فقد تحدّدت في بعدين أساسين إضافة إلى العبادة:

التعليم والتثقيف الديني

إقامة الشعائر والمواسم الدينيّة.