الجامع الكبير سوسة

  • سوسة

الجامع الكبير بسوسة

 

يُعدّ الجامع الكبير بمدينة سوسة واحداً من أعرق المعالم الإسلامية في تونس ومن أبرز الشواهد على العمارة الأغلبيّة. يقع في الجهة الشرقية من المدينة العتيقة على مقربة من الرباط، وقد شُيّد سنة 236 هـ/851 م في عهد الأمير الأغلبي أبو العباس محمد، تحت إشراف مولاه المعتق "مودام" الذي ورد اسمه منقوشاً على الإفريز الكوفي المزخرف بأعلى الواجهة المطلة على الصحن.

العمارة والتخطيط

يتسم الجامع الكبير بسوسة بطابع معماري فريد يجمع بين البساطة والهيبة، فقاعة الصلاة مستطيلة الشكل تبلغ أبعادها حوالي 59 متراً طولاً و51 متراً عرضاً، وتقوم على ثلاثة عشر جناحاً وستة أروقة متوازية، مع إبراز خاص للمحور الأوسط المؤدي إلى المحراب. يعلو المحراب قبة مهيبة، تقابلها قبة ثانية فوق المدخل الرئيسي لقاعة الصلاة، في توازن بصري يجمع بين الوظيفة والجمال.

أما الصحن، فهو فضاء فسيح ذو شكل شبه مستطيل تحيط به أروقة من ثلاث جهات، فيما أضيف الرواق الرابع المقابل لقاعة الصلاة في فترات لاحقة. وقد تميزت جدران الجامع بصلابتها وعلوّ أبراجها الركنية، مما يعكس الطابع الدفاعي الذي يربطه بالرباط المجاور، حيث كان المسجد والرباط معاً يشكلان وحدة معمارية وروحية لحماية المدينة وتأمينها.

الخصوصيات المميزة

يخلو الجامع الكبير بسوسة من مئذنة، وهي سمة نادرة في الجوامع الكبرى بتونس، ويُعزى ذلك إلى قربه من برج المراقبة بالرباط الذي كان يؤدي وظيفة النداء إلى الصلاة. كما تميز الجامع منذ نشأته بطابعه العسكري-الروحاني، حيث جمع بين قدسية العبادة وصرامة الحصون.

شهد الجامع عبر العصور توسعات وتجديدات، خاصة في العهد الزيري، حين أضيفت بعض العناصر الزخرفية والمعمارية التي زادت في إضفاء البهاء على فضاءاته. كما خضع لعمليات ترميم لاحقة في العصر المراتيبي، حافظت على أصالته التاريخية.

القيمة الحضارية

يمثل الجامع الكبير بسوسة تحفة معمارية شاهدة على ازدهار العمارة الإسلامية في إفريقية خلال القرن الثالث للهجرة. فقد ساهم في ترسيخ نمط معماري أثّر لاحقاً في العديد من المساجد بشمال إفريقيا، سواء من حيث التخطيط الداخلي أو انسجام الكتل المعمارية وتوازن الفضاءات.

وإلى جانب قيمته الدينية، يكتسب الجامع مكانة حضارية ورمزية كبرى، باعتباره جزءاً لا يتجزأ من مدينة سوسة العتيقة التي أدرجتها منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي. فهو يظل إلى اليوم منارة دينية ومعْلماً سياحياً وثقافياً يختزن ذاكرة المدينة وعبق تاريخها.